كان واحدا من مئات عمال النظافة الذين يستيقظون قبل كل فجر ويطوفون أحياء الدار البيضاء ويجمعون القمامات من أمام المنازل. في تلك الأيام البعيدة سنوات السبعينيات لم يكن الناس ملزمين بحمل قماماتهم إلى صناديق القمامة لأنها لم تكن متوفرة. وحتى براميل الأزبال كانت نادرة لذلك كانوا يكتفون بإفراغها في سطل ووضعها أمام أبواب منازلهم، ويأتي العمال ويفرغونها في عرباتهم قبل إفراغها في الشاحنات. وفي كل حي كانت هناك مزبلة تكبر باستمرار لأن الناس يفرغون فيها أزبالهم كيفما اتفقوا وحين يأتي العمال يبدؤون في حمل الأزبال بوسائل بدائية ووضعها في الشاحنة.في هذه الأجواء أمضى هذا الرجل ثلاثة عقود من حياته لذلك عندما وصل يوم تقاعده أحس بأن أحدا يضعه في صندوق قمامة ولم يقبل على الأقل مع نفسه لذلك قرر أن يتمرد.استمر هذا الرجل، وهو متقاعد، في الاستيقاظ كل يوم أي في نفس الساعة التي كان يستيقظ فيها طوال 30 عاما من العمل ويفعل ما كان يفعله دائما كان يتوجه نحو مزبلة الحي ويقترب منها كأنه يقترب من ذكرى عزيزة ويشم رائحة الأزبال وكأنه يشم رائحة شباب رائع ولى. الناس في البداية استغربوا سلوكه هذا رغم أن الذين رأوه هم قليلون لكن خبره انتشر بسرعة في حي المعاريف حيث يسكن هذا الرجل وأصبح محط استغراب وأحيانا محط تفكه.لم يكتف هذا الرجل بالاقتراب من المزبلة وشم أريجها بل ظل لشهور طويلة بعد تقاعده يمارس عمله وكأنه لم يتقاعد ينتظر قدوم عمال النظافة كل ليلة ويقوم بمساعدتهم وكأنه واحد منهم يتوجه نحو أزقة أزقة درب غلف ويحمل قمامات المنازل ويضعها في العربة ثم يتوجه بها إلى الشاحنة التي تحمل الأزبال. كان يفعل ذلك بحماس وكأنه يرفض قرار تقاعده.بعد ذلك أحس الرجل بأن العمال الجدد الذين أصبحوا يأتون إلى الحي لا يستسيغون ما يقوم به بل صاروا يتضايقون منه ورأوا فيه رجلا غير طبيعي بالمرة وهم ربما محقون في تصورهم لأنه كيف يعقل أن رجلا تجاوز الستين عاما ووصلت فترة تقاعده ليرتاح ومع ذلك ظل مصرا على العمل وأي عمل. بل إنه يستيقظ مع الديك ليزاول عملا لن يؤدي له أحد أجرا عليه.ذلك الرجل لم يقبل في قرارة نفسه تقاعده، كان يريد أن يعمل أكثر لكن القانون لا يرحم. ومع مرور الوقت اقتنع الرجل بأنه متقاعد فعلا وانتقل من المعاريف الى الحي المحمدي وأصبح يفعل ما يفعله باقي الرجال المتقاعدين في هذا الحي. يجلسون في مكان منعزل ثم يبدؤون في لوك الكلام وأحيانا يلعبون الضامة وقبل أن يؤذن مؤذن مسجد الحرمين المجاور لمكانهم المفضل للصلاة يكونون قد جمعوا أطرافهم وتوجهوا إلى المسجد ثم يعودون مرة أخرى إلى نفس المكان ليفعلوا ما يفعلونه دائما أي يلعبون الضامة أو الكارطة ويتحدثون عن الماضي عن أيام شباب ذهبت ولن تعود.لم يعتد هذا الرجل طويلا على حياة التقاعد وظل بين الفينة والأخرى يتوجه نحو مزبلة الحي المحمدي حتى أحس الناس تجاهه بالشفقة. وربما من حسن حظه أنه لم يقض ما تبقى له من أيام متنقلا بين المزابل أو واقفا في الطوابير الطويلة في انتظار دريهمات التقاعد. لقد رحل هذا الرجل قبل ايام عن هذا العالم ودفن في مقبرة بها أشجار يانعة خضراء وزهور تحيط بالمقابر رائحة الموت أفضل بكثير من رائحة الحياة.ياله من رجل محظوظ في موته أكثر من حياته.كان رجلا طيبا كنت اقضيء أوقاتا ممتعة مع هدا الرجل خصوصا انه ابن منطقتي ولما مات لم يكن له اهل وتطوع محسنون في دفن جثته.
هناك قصة أخرى لرجل آخرابن المنطة ايضا تقاعد بعد أن جمع قدرا من المال يكفيه بالكاد لكي يعيش رفقة زوجته وابن له لم يجد عملا رغم أن عمره يتوسط الثلاثين قرر الرجل أن يفتح محل بقالة في الحي. سكان الحي يحترمونه، وربما سيكون ذلك سببا لكي يكون له زبائن كثيرون وتنتعش تجارته.اكترى الرجل محلا صغيرا وملأه بتلك البضائع التي يملأ بها أي بقال محله. الرجل طيب وشبه خجول والناس بطبعهم لئام ولا يقدرون الشهامة بل يفهمون الطيبوبة بشكل مختلف تماما. هكذا أصبح الرجل المتقاعد مختصا في منح ما يحتاجه الناس بالكريدي وكثيرون منه أخذوا الكثير ولم يعطوه درهما واحدا. وكثير من الغرباء الذين سكنوا الحي وجدوا فيه دجاجة تبيض ذهبا فاقترضوا منه المال أيضا ثم خرجوا ولم يعودوا.ظل هذا الرجل يمني نفسه بأيام أفضل، وربما صبر على الكثير من عتاب زوجته وسخط ابنه في المنزل هذا الابن الذي رفض بالمطلق أن يشتغل مع والده في المحل.بعد شهور فقط اختفى الرجل تماما أما محله فأصبح خاويا على عروشه إلا من بضع قارورات مشروبات غازية وجافيل وبضع علب من الزيت وحلوى للأطفال في أحد الأيام اكتشف الناس أن المحل مغلق فاعتقدوا أن الرجل مريض ثم سمعوا أنه رحل بعد نكسة نفسية بسبب بوار تجارته منذ ذلك اليوم لم يعرف عنه أحد شيئا.قالوا عنه (مسكين.. كان طيبا) ثم صمتوا قيل إنه هجر المدينة وقيل إنه رحل للعيش مع ابنته في اسافن وقيل إنه مات.. وقيل وقيل.. ولم يبحث عنه أحد لكي يعطيه ما في ذمته من مال. قبل ايام التقيت ابنه وسألته عن ابيه قال انه رحل الى دار البقاء.لغز موت هذان الرجلان لم يفك بعد وأبناؤهم لم يعودوا مطلقا إلى المكان الذي مات فيه اباؤهم، فالاول اغلقت شقته لفترة ثم اكتراها قوم آخرون والثاني هاجر ابناؤه الى الخارج... وتلك الأيام نداولها بين الناس.
بقلم الشير اوتشواشت
هناك قصة أخرى لرجل آخرابن المنطة ايضا تقاعد بعد أن جمع قدرا من المال يكفيه بالكاد لكي يعيش رفقة زوجته وابن له لم يجد عملا رغم أن عمره يتوسط الثلاثين قرر الرجل أن يفتح محل بقالة في الحي. سكان الحي يحترمونه، وربما سيكون ذلك سببا لكي يكون له زبائن كثيرون وتنتعش تجارته.اكترى الرجل محلا صغيرا وملأه بتلك البضائع التي يملأ بها أي بقال محله. الرجل طيب وشبه خجول والناس بطبعهم لئام ولا يقدرون الشهامة بل يفهمون الطيبوبة بشكل مختلف تماما. هكذا أصبح الرجل المتقاعد مختصا في منح ما يحتاجه الناس بالكريدي وكثيرون منه أخذوا الكثير ولم يعطوه درهما واحدا. وكثير من الغرباء الذين سكنوا الحي وجدوا فيه دجاجة تبيض ذهبا فاقترضوا منه المال أيضا ثم خرجوا ولم يعودوا.ظل هذا الرجل يمني نفسه بأيام أفضل، وربما صبر على الكثير من عتاب زوجته وسخط ابنه في المنزل هذا الابن الذي رفض بالمطلق أن يشتغل مع والده في المحل.بعد شهور فقط اختفى الرجل تماما أما محله فأصبح خاويا على عروشه إلا من بضع قارورات مشروبات غازية وجافيل وبضع علب من الزيت وحلوى للأطفال في أحد الأيام اكتشف الناس أن المحل مغلق فاعتقدوا أن الرجل مريض ثم سمعوا أنه رحل بعد نكسة نفسية بسبب بوار تجارته منذ ذلك اليوم لم يعرف عنه أحد شيئا.قالوا عنه (مسكين.. كان طيبا) ثم صمتوا قيل إنه هجر المدينة وقيل إنه رحل للعيش مع ابنته في اسافن وقيل إنه مات.. وقيل وقيل.. ولم يبحث عنه أحد لكي يعطيه ما في ذمته من مال. قبل ايام التقيت ابنه وسألته عن ابيه قال انه رحل الى دار البقاء.لغز موت هذان الرجلان لم يفك بعد وأبناؤهم لم يعودوا مطلقا إلى المكان الذي مات فيه اباؤهم، فالاول اغلقت شقته لفترة ثم اكتراها قوم آخرون والثاني هاجر ابناؤه الى الخارج... وتلك الأيام نداولها بين الناس.
بقلم الشير اوتشواشت